إلى الشاعرين: ابراهيم بركات وياسين حسين غائِبين.
صرخةٌ كانتْ كتيمةً منذ أنْ عرَفها آباؤنا قبلَ عشرات السنين العجاف – القاسيات. تلك الصرخةُ لحِقتْ بأعمارنا الطريّة ثم لتصلَ إلى (أربعينيّاتِنا) الصامتة المكتوية بدنيا الخوف والصمت الجبان. ذاك صمتٌ بلعناه على مضضٍ طَوَالَ سنواتنا التي ما عرفتْ مسرباً إلى التصريح به إلا في خلواتنا المعتمة (الأسبوعيّة: إذا كنّا في مرحلة المدّ الثوريّ قبلَ حوالي عشرين عاماً). كنّا تجرّعنا سمّاً مولّداً منحَنا الخجلَ والطأطأة (حيث رجلٌ أميٌّ وغدّارٌ بملامح صارمةٍ غاضبة ينبُّهُنا أو يردعنا أو يشتمُنا). لم تكن سنواتُنا إلا صراخاً أو احتجاجاً خبّأناه لنعلنهُ كلاماً لعيناً فيما بيننا (إنْ كنتُ مع غسان: صديق الطفولة والشباب الضائِعين كمجاز).
صمتٌ لحِقَنا ليصلَ إلى أحلامنا المنكسرة ,وطالما تمنّيناه حادّاً وصارخاً مثلما الآن – هنا – هذه الأيامَ التي نعيشُها واضحِين مكشوفِين بل مطالبين بما فقدْناه ورافضين أنْ يصلَ الخوفُ أوالصمتُ ليكونَ سيّداً على (آلان وكارا: مثالَين للطفولة غير طفولتنا التي كانتْ طيناً قبيحاً ومُرّاً).
صمتٌ: (هذا ما قلتُهُ) وسيتحوّلُ إلى احتجاجٍ أكثرَ كشفاً ونبضاً احتجاجيّاً، لأنّا متعطّشوه وفاقِدوه، ولن نتركَه ليتملّصَ منّا مرّةً أُخرى, هذا ما لمْ أقلْهُ أنا بل صمتُ الإنسان المقهور بداخل كلٍّ منّا قالَهُ قبل أسابيع وسيقولُهُ، ولن نتركَه حتى نطالبَ بسنواتٍ ضياعنِا في الطرقات أوالاختباء خوفاً من أيّ سؤالٍ قد يُحرجُنا!.
صمتٌ آخرُ مازالَ ملتصقاً بغيرنا الذين ينتفعون به، إنهم مجموعةٌ صامتةٌ ارتضتْ لنفسها ثمناً بخساً، وربّما تعلمُ تلك المجموعةُ أنّ سلوكَها لا ينطلي إلا على أمثالها، وبإمكان أيّ محتجٍّ أنْ يحاسبها في العاجل أو الآجل من الأيّام.
جئتُ لأصرخَ وأحتجّ في أيّ شارع أو زقاق أشاءُهُ، وفي أيّ وقت يشاءُني، وعلى أيّ لسان عابثٍ يحملُ سقط الكلام أو تافهه ,أوأيّة يدٍ فوضويّة تلهو وتغدرُ بنا.